كانت
شتلة لم تكُف أنامل البستاني عن رعايتها ، حتى بدأت الأكمام تتفتح ،
والعطر السحري تنفثه أنوثتها تحت أشعة الشمس الربيعية ، لم تكن تلتفت
للأطياف حولها على الركح الأخضر ، حامت اليساعيب عند هالتها ، نازعت
الأماسي ، وسامرتها حتى السحر .
كان عليها أن تقرأ فنجان الصباح باهتمام أحيانا ، ولهو طفلة تزين دميتها ثم
تعرضها أمام المرآة في غفلة عن أهلها ، علها تلتقط ابتسامتها المنفلثة ،
ومرة أخرى تمشي على خطوط راحتها ، لعلها تتبين السنن الذي افتقدته منذ زمن ؛
لم تترك عاداتها تلك إلى أن أذن الصيف على طي سجلاتها ، كما تهب رياح على
كثبان الرمل .
نظرت إلى ساقها الأجوف ، ولنضارة خدودها ، التفتت في كل صوب ،
كريشة حيرى ؛ لم تر البستاني ، حتى الساقية اعتراها بعض اليُبس ؛ ساحت
ببصرها نحو السماء الغائمة ، علها تلتقط قطرة من رذاذها ؛ وأخيرا أحست بشيء
يسيل على خدها ، ابتسمت ، مدت أناملها الوجلة ، التقطت قطرة ، وضعتها على
ضفة شفتيها ، استغربت لطعمها الأجاج ؛ ثم ابتسمت ، وقالت في سريرتها :
ـ بلا شك أن شفتاي من شدة يُبسهما ، لم تلتذ طعم القطرة ؛
ليكن ما يكون لابد أن تُمطر ، ولو رذاذا قبل موسم المطر ؛ وانكبت تقرأ
فنجانها من جديد .