هو فن
شعبي انتشر في صعيد مصر في فترة ما ، وهو فن قولي (شفاهي) أي غير مدون ،
ولكن تحفظه صدور رواته ومحبيه ، وكما هو معروف من خصائص الشعر الشعبي التي
تميزه ، هو نمط تعبيري قولي يعتمد اللغة الشعبية كأداة للتشكيل الفني مع
أداة أخرى هي الإيقاع الموسيقي المحدد وذلك بعد ما تجاوزت اللغة الشعبية –
أداة هذا الشعر – حدود القواعد النحوية (الإعرابية) والصرفية ويضاف إلى ذلك
كله خاصية مجهولية المؤلف .
و الواو فن شعري شعبى قولى سماعى وليس كتابياً إذ أن الكتابة تكشف كل الحيل الصوتية الناتجة
عن الجناس الكامل فى قوافيه وعندئذ تنحل كل مغاليقه فيفقد كثيراً من روعته وبهائــه كفن شعبى أصيل .
وكما أن الموال البغدادي (الرباعي) يعتمد نظام الأغصان الأربعة – ذات قافية
واحدة – فكذلك فن "الواو" فهو يعتمد – مطلقا – نظام الشطرات الأربع التي
تكون بيتين شعريين ولها نسق موسيقي خاص وبشرط أن تتحد الشطرتان الأولى
والثالثة في نفس القافية والشطرتان الثانية والرابعة في نفس القافية
المغايرة لسابقتها، كما يعتمد هذا الفن على التجنيس (الجناس بمعناه اللغوي
تاما كان أو ناقصا) المغرق – أحيانا – في التعمية .
ومنه قول الشاعر أحمد بن عروس ( والذي يعيد له الرواة بداية هذا الفن ) :
لابّد من يوم معلوم
تترَدّ فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
أسود على كل ظالم
هذه شطرات أربع تكون بيتين شعريين من بحر "المجتث" وهو بحر شعري له نسق
موسيقي طرب له الشعراء المحدثون فأكثروا من نظمه،ولا نكاد نعلم شيئا عن هذا
الوزن قبل عصور العباسيين .
ازدهر فن الواو في عصر المماليك والأتراك وكان كثيرا ما يلجأ إلى التورية
والكلام غير المباشرحتى يستطيع أن يفلت من الرقابة الصارمة التي تفرضها
عصور الاستبداد عندما يكون الفن منحازا للجماهير ضد سيوف الحكام.
هناك نوعان من المربعات هما المربع "المفتوح" الذي يسهل فهمه واستيعابه مثل
المربعات التي استخدمها "بيرم التونسي"و "المربع المغلق" الذي يستعصي على
الفهم إلا على أهل منطقة بعينها مثل المربعات التي يستخدمها أهالي محافظة
قنا من إسنا إلى أبي تشت.
من أمثلة ذلك قول الزجال "علي النابي" في وصف محبوبته عندما رآها تشرب الماء من "القلة":
أقول له يقول لا
والقلب مرعوب وخايف
ابقي قولي له يا قلة
حين توردي ع الشفايف
وكذلك قول الشاعر المعاصر " عبد الستار سليم :
أول كلامي ح اصّلي
ع اللي الغزاله مشت له
واحكي له ع اللي حصل لي
وارمي همومي ف مشاتله
وطالما نتحدث عن فن الواو فإننا لابد وان نذكر الشاعر القنائى القدير "عبد
الستار سليم" الذى عمل جاهدا على احياء هذا الفن ، ويعتبر حاليا من اهم
رواده،
والسؤال الذى يلح على اذهاننا لماذا يسمى بفن الواو ؟
حيث أن فن الواو فن قول وسماع لأن الذين ابتدعوه كانوا لا يقرأون ولا
يكتبون ولكنهم يعتمدون على السماع مما جعلهم سريعى البديهة أقويـاء
الملاحظة فكان الشاعر ابن عروس عندما يلقى بالمربع على الأسماع ينتظر
قليلاً لكى يفك المستمعون مغاليق المربع ثم يستأنف بقوله "وقال الشاعر"
فكثرت واوات العطف هذه فأصبحت لزمة لابد أن تقال وصارت سمه مميزة لهذا
الشكل من القول ثم اسماً يتسمى به "فــن الــواو" .
اما لماذا كان يقول وقال الشاعـر دون ذكر اسمه فذلك حتى لا يقع تحت طائلة العـقاب من السلطة الغاشمة .
اشـتهرت قـنــا دون غيرهــا بفن الواو لأنهــا كانـت منذ الفتح العربى
الإسـلامى لمـصر محط الرحال لقبائل عربية نازحة من شبه الجـزيرة العربية
ممـا أدى إلى ظهور أثر اللهجات العربية على اللسان القـنائي فجعله أقرب إلى
االعربية من غيره من حيث المفردة وطريقة نطقها فكان لابد وأن تتـــــأثر
طرائق القول الشعري بالفنون القولية الواردة ومنها شكل القـصيدة العربية
التى كانـت سمة أساسية منها .
خصائص فن الواو
يعتني فن الواو بالمشاركة الوجدانية بين الـمبدع والمتلقى يعتبر قالباً
قولياً محدد الهوية صارم الملامح سهل التناول يعتنى بالوزن والقافية ويتميز
بقصر الجمل وعمق المعنى يعتبر أرضية خصبة لاستيعاب القص الملحمي .
أشهر رواد فن الواو في عصر المماليك
احمد بن عروس
هو احمد بن عروس المولود بقنا عام 1780 مـ أيام حكم المماليك عاش امياً
عاطلاً لا عمل له ولا صناعة مشحون الصدر بالحقد على المماليك الحكام
والأغنياء البخلاء ,فيه قوة وصلابة وله قلب كالصخر لا يلين كما انه ليس له
من العلم والمعرفة إلا ما استخلصه من الحياة بنفسه ولا دهشة من كونه زجالاً
عظيماً يملأ القلب بلإعجاب ويفعم النفس بالتقديروهو الأمي العاطل وهو بين
الزجالين كمنزلة المتنبى والمعرى بين الشعراء بل لعله يفوقهما حكمة وفلسفة
إذا قدرنا انه رجلاً امياً لم يحصل على نصيب من العلم والمعرفة إلا ما
استطاع ان يكونه بنفسه عبر معترك الحياة ودروسها .
نماذج من فن الواو:
لا تِذل نفسك لإنسان
في باطنه ليك سوادي
صُدّه وخليك منصان
عنه ولو كان يعادي
لا انا من الهم مهموم ( مهتم )
لا للشرور عدت بايع
أضحك إذا كنت مهموم
والقلب كله وجايع
لا يوم من الهم فقنا
دي هموم توسق مراكب
راح السبع يطلب عدلنا
لقى الكلب على التخت راكب
كلامك زين وعاجبني
وع اللي اتبلى ماتلوماشي
دا شيّ مكتوب عاجبني
واللي يعمله المولى ماشي
وللشاعر المعاصر " عبده الشنهوري "
إرمي حمولك على الله
خَلَق الخلايق وعالها ( أعالها)
دنيا غرورة بلا جاه
والعاقل اللي وّعي لها
يامسحراتي الوطن ليه
طوٌّل وطنا في نومُه
نّبّحت خصومه ولم ليه
زَعقَه تفرٌق خصومه
موجك يابحر ان هِدِي مات
وان قلْ مّلْحك بِعت دم
واللي ما مالي الهدومات
يعيش حياته يتوع دم
ليل الحيارى ياليلين
يامين يقصر طوالك
ياليل وقلبك مابيلين
والعين ما نامت طولك
باين لي عصر الهّمّج عاد
يزحف ولا حد داري
من غير مناسبة ولامعاد
جا الغرب يسكن في داري
باين لي عصر الهمج عاد
والسرقة عيني وعينك
ياللي انت ساكن ف بغداد
ع الغرب الله يعينك
هجمت ديابة علي عراق
نّهّشِت ما خّلت خلايق
والدم يصرخ في لِعراق ( العروق )
والجسم كِرْه الخلايق ( الملابس )
طول عمري اقدّم ف سبتي
ولا حد جاي لي يواسيني
فوقي يادنيا وثبتي
ونشبتي ظفرك في عيني
ألبس جناح الحمامات
واطوف شمالي وجنوبي
أطلب لكوني السلامات
والرحمة للي جنوبي
يا حلو فتٌّح شبابيك
تشرِح قليبي بهواها
لو إيدي تملك شبابيك ( شبابك )
أملِك أراضي بسماها
ياللي عيونك غيطان طيب
وكل نظرة بآه لي
قليبي منك ما هّيطيب
غير لما اشوفك في أهلي
طيف جَهْ خطر لي من اميال
صّحٌّي ف قليبي وجيُبه
لو كان قليُبه لي ميٌّال
قرٌّاب أروح له واجيبه ( قراب - في أقرب وقت )
رِمش العذاري قتل ناس
تِحكّي عليهم حكاوي
من شط دجلة لمكناس
لم لقيوا ليهم مداوي
كسرة من الزاد تكفيك
وتبقى نفسك عفيفة
والقبر بكرة يضويك
وتنام في جنب الخليفة
عيني رأت سرب غزلان
فيهم غزاله شريده
وانا قلبي لمّا اتنغز لان
شاور وقال لي شاري ده
انا اللى حابك وعاشق
ويوماتى مشيلنى همك
وسهمك ف القلب راشق
وانت ياسيدى ولا همك
ولع في قلبي وزاد
في بعده انا صامت
يومين ما دقت الزاد
وعيوني عشانه صامت
وأود التوضيح بأن هذا الشكل من الفنون الشفاهية مجود في معظم أرجاء مصر ،
لكن تحت مسميات مختلفة ، فمثلاً في أقصى الجنوب ( أسوان ) يسمى فن
"النميم"وفي أقصى الشمال في ( العريش ) يسمى " البوشان " وهومعروف لدى
عائلة واحدة هي عائلة الفواخرية - عائلي - ويتغنى به فقط أثناء زفة العريس
من البيت الذي يكون فيه حمام العريس إلى بيت العريس - سيراً على الأقدام -
وهو طقس له مظاهر كثيرة .
من أمثلة فن البوشان :
غاب القمر اظلم الليل
واللي يجاور يجاور
يا بخت من له ولف زين
يرفع الغطا وْلا يشاور . ( يقصد غطاء وجه العروس )
الموضوع منقول