القرار الخطاء؟!!!
القرار
ضغطت أحد الأزرار بيد الكرسى الضيق ليتراجع ظهره قليلا . أمامنا وقت طويل خلال هذهالرحلة الليلية فى الطائرة الصغيرة.
غفوت قليلا قبل أن أنتبه فجأة بفعل إهتزازاتعنيفة . كان صوت الكابتن يأتينا بأن الطائرة تمر خلال عاصفة رعدية مطالبا بأن نبقىالأحزمة مربوطة .
أخذت أتمتم بآى الذكر الحكيم سائلا المولى السلامة والنجاة .زادت الأهتزازات شدة وأخذت الطائرة تتأرجح بنا بصورة مرعبة
قال صديقى الجالسإلى جوارى
--- هل تظن أن هذه الطائرة الصغيرة ستصمد
قبل أن أجيبه جاء صوتالكابتن متهدجا معلنا أن الطائرة ستهبط إضطراريا . تعالت الصرخات وتملك الخوفالجميع رغم محاولات الطاقم لتهدئة الركاب
مرت الدقائق كأنها دهر طويل حتى سكنتالطائرة و أعلن الكابتن أن الطائرة قد هبطت بسلام
تنفسنا الصعداء ونحن نعانى أشدانواع الإجهاد العصبى . قال صديقى متسائلا
--- أين هبطت الطائرة ؟
--- لاأدرى و لكن المهم أننا نجونا
جاء صوت الكابتن طالبا منا الإستعداد للهبوط حيثهبطت الطائرة فى مطار دولة (خيباسودا)
سألت صديقى ونحن بالطريق للهبوط إن كان قدسمع بهذه الدولة فنفى أن يكون قد سمع بها من قبل
هبطنا سلما معدنيا تحت أمطارغزيرة وأخذ الركاب يعدون بإتجاه مبنى صغير تظهر منه إضاءات خافته
وصلنا للمبنىووجدناه خاليا سوى من بعض الأرائك الخشبية المتواضعة . تحلقنا حول كابتن الطائرةالذى طمأننا بأننا سنقضى الليلة فى فندق مجاور للمطار وسنعاود الطيران فى الصباحإذا تحسنت الأحوال الجوية
خرجنا من المبنى الكئيب إلى حافلة قديمة إنحشرنابداخلها جميعا لتسير بنا وسط طريق ضيق مظلم تحيطه أكواخ مصنوعة من الخشبوالصفيح
توقفت الحافلة امام مبنى متداع متوحد بين الأكواخ . دلفنا الى المبنىلنجد عجوزا طاعنا وبعض العمال أخذوا يقودوننا إلى الغرف . كانت الغرفة تضم سريرينأحدهما لى والاخر لصديقى بالإضافة كرسيين خشبيين ومصباح وحيد يتدلى منالسقف
سألت صديقى مدهوشا
--- ما هذا البلد ؟
--- لا أدرى
--- هل منالمعقول أن تكون هناك بلد بهذه الحال فى هذا الزمن
--- إنه أمر عجيب والأعجبأننى لم أسمع بهذه الدولة من قبل
--- الحمد لله أننا سنقضى هنا ليلةواحدة
آوينا إلى اسرتنا وسرعان ما ذهبت فى نوم عميق
أستيقظت على أصوات صخبشديد و أخذت أحملق فى الظلام لعلى أعرف مصدر هذه الأصوات . استيقظ صديقى مفزوعاايضا . كان من الواضح أن مصدر الصوت يأتى من النافذة الوحيدة بالغرفة . تطلعنا منالنافذة لنجد مشهدا عجيبا
كان الألاف من الناس يحملون قطعا من الخشب المشتعلويقفزون ويصيحون فيما يبدو أنه إحتفال ما . كانوا جميعا آية للفقر المدقع فقد كانوايرتدون أسمالا بالية تظهر أجسادهم الهزيلة المعروقة
فتحت باب الغرفة و أخذتأنادى طالبا خدمة الغرف وصل الرجل العجوز فطلبت منه الدخول والجلوس
جلس العجوزفسألته
--- ماذا يفعل هؤلاء الناس بالخارج
--- يحتفلون يا سيدى
--- يحتفلون بماذا هل هذا يوم عيد خاص بكم ؟
--- لا ياسيدى إنهم يحتفلون بصدورالقرار
--- أى قرار
--- قرار الزعيم بالموافقة على إستيراد التراب
--- التراب !!! وهل تستوردون التراب
--- نعم يا سيدى فقد كاد شعبنا أن يهلك جوعالولا هذا القرار الرحيم
--- وما علاقة الجوع بالتراب !!!
--- التراب هوطعامنا ياسيدى
تبادلنا أنا وصديقى النظرات الذاهلة قبل أن أسأل العجوز
--- تأكلون التراب !!! كيف يمكن أن يعيش بشر يأكل التراب ؟
--- هو طعامناالوحيد
--- الا تأكلون الخبز ؟ الا تأكلون الخضار أو الفاكهة أو اللحم ؟
--- سمعت من جدى أنه قد أكل هذه الأشياء وكان يروى لى القصص و أنا صغير عن طعمها وأوصافها وحدثنى ايضا عن الخبز وعلى ما أذكر أنه كان يصنع مما يسمى الدقيق
--- نعم الخبز يصنع من الدقيق الا تعرفونه
--- لم أره فى حياتى ولكن هناك إشاعاتتقول أن كبار الدولة يأكلون طعاما آخر غير التراب ولكن لا أحد يستطيع أن يؤكدذلك
--- ولكن كيف وصلتم إلى أكل التراب وقد كانت أجيالكم السابقة تأكل طعاماعاديا ؟
--- كان جدى يقول أنه قد مر بالبلاد حكام طغاة سرقوا كل شئ حتى بارتالأرض و إنتشر الخراب و اصبح هم الناس أن يجدوا مايبقيهم على قيد الحياة . ومرتمرحلة كان الناس يأكلون فيها الخبز فقط ولكن لندرة الدقيق فى ذلك الوقت أمر الحاكمبخلط الدقيق بالتراب لتكفى الكمية الجميع وبمرور السنوات تناقص الدقيق شيئا فشيئاحتى اصبحنا نأكل التراب فقط
--- يا للمأساة !!!!
--- وفى أيامنا هذه نفذالتراب ايضا فقد أكلنا كل التراب المتاح . ولكن زعيمنا الرحيم أصدر أوامره باستيرادتراب من الخارج مع التشديد بأن على الجميع أن يرشد الإستهلاك . ولهذا خرج الناس فىهذه المظاهرات لشكر الزعيم
لفنا صمت ثقيل و غادرنا العجوز تاركا إيانا فى حيرةوذهول
لم يغمض لنا جفن باقى الليل
فى الصباح تجمع المسافرون مرة أخرىوتوجهنا إلى الطائرة
أخذنا مقاعدنا وبدأت الطائرة فى التحليق
قال صديقى
--- شئ لا يصدق ....إستيراد التراب !!! هل سمعت أعجب من هذا القرار
تمتمت وقد لفنى خوف مجهول و أنا أراقب الأكواخ الصغيرة تذوب فى الضباب
--- لا عجب ياصديقى ... هذه عاقبة كل شعب يترك للقط ..... مفتاح الكرار