الغايات تُدرك بالعمل ... بالجهد ... بالعرق
سكت كثيراً وأطلت الصمت فى العالم الافتراضى لأستغل كل طاقاتى وأطلقها على
أرض الواقع ، لكنها آسفاً تضيع هباءاً وتروح أدراج الرياح .
سأختصر الصورة منذ بداية المشهد ، شباب فى عيد الشرطة يتظاهرون ، يحتجون ،
يهتفون حرية ديموقراطية عدالة اجتماعية يوم والثانى والثالث والعدد أكبر
والمشهد أكثر زخماً . أخطاء أمنية ، تجاوزات فجة ، دماء تسيل فى ازدياد ،
حرائق ، تحطيم ، تظاهر تحول لاعتصام ، اعتصام أوقف الحياة المدنية ، تطور
الهتاف إلى الشعب يريد إسقاط النظام " ارحل " ، " ارحل " . وسقط ما خُيل
أنه العمود الفقرى للنظام " مبارك وعائلته " ، الحكومة الموجودة لا تعجب
المتظاهرين وأُسقطت الحكومة ، وزراء وأركان للنظام سافرت للخارج بسرعة ،
واختار المتظاهرون رئيساً جديداً للحكومة وشكل وزارته ، وفترة إلقاء القبض
على الوزير ..... والنائب ..... ورجل الأعمال ..... ، استفتاء دستورى على
تعديلا دستورية وبعد الموافقة عليها يتم عمل إعلان دستورى ، فلما كان
الإستفتاء من الأصل " ؟ " ، أحداث طائفية وتعدى على دار عبادة لغير
المسلمين ، وذهاب شيوخ ومثقفين للتهدئة ورأب الصدع البدأ فى محاكمة الرئيس
بتهمة الكسب غير المشروع والقاء القبض على نجليه ونقلهما للمحبس والتحقيق
معهم ، حكم قضائى بحبس وزير الداخلية الأسبق فى أحد القضايا ، يومين وأحداث
امبابة وعشرات القتلى ومئات الجرحى فى صورة أقرب للمشهد الصومالى والفوضى
المتفشية بالمجتمع الأفغانى ، والتحقيق مع قرينة الرئيس السابق واصدار قرار
حبسها احتياطياً وتنازلها عن ممتلكاتها بتوكيل لمصلحة الشعب ، العفو عن
أحدهم وإخلاء سبيل الأخر وانقسام شعبى بين الحبس والاعدام وبين استرداد
الأموال ، وجمعة غضب ثانية اليوم ، وعلى طول المشهد اعتصامات واضرابات
ومطالبات هنا وهناك فى شتى القطاعات وكل المجالات ، قانون أحزاب سياسية جاء
من وجهة نظر الشباب غير مناسب لامكانتهم وقدراتهم للظهور الحزبى على مسرح
الحياة السياسية ، تدهور اقتصادى وإنتاجى واستنزاف للاحتياطى النقدى من
العملة الأجنبية .
من الأمور الطبيعية جداً أن يعقب ما يسمى بالثورات شئ من الفوضى والتوتر
وعدم الاستقرار ولكن ليس من الطبيعى أوالمنطقى أن نسهم بأيدينا فى تعميق
هذه الفوضى وإقرارها بشتى الطرق ومختلف الوسائل ، فكثير من المصريين الذين
ارتضوا بالصمت والصبر ثلاثين عاماً وأكثر لا يحاولوا الأن الصمت والصبر ولو
لبضعة شهور حتى تدور عجلة الحياة ويسير دولاب العمل .
الموضة المنشرة الأن بين أوساط الكثيرين من الشعب المصرى تأسيس أحزاب
سياسية جديدة ، فكل مجموعة تقرر عمل حزب وتبدأ بالدعوة لحزبها بدون رؤية
بدون رسالة بدون هدف بدون برنامج ، فقط يسعى البعض لمجاراة أحدث خطوط
الموضة وهى تأسيس حزب سياسى ، فالأن فى غضون فترة قصيرة تم الإعلان عن
تأسيس عدد من الأحزاب وهناك العشرات تحت التأسيس ، والنتيجة المتوقعة فى
النهاية أعتقد أنها إن تكونت فهى كيانات ستكون من الضعف وقلة الحيلة بمكان
كى ترسم واقعاً جديداً أو تُحدث تأثيراً ملموساً فى المجتمع .
الشعب المصرى أصبح رائعاً وأصبح مثقف سياسياً ودستورياً بشكل مذهل فى غضون
وقت قليل جداً للدرجة التى أصبح فيها الكل يتحدث بقناعة داخلية أنه يمثل
المنطق ووجهة النظر الأمثل وما خالفه ليس لديه الرؤية ولا القدرة على الفهم
والتحليل التى يتفرد بها دون بقية الناس .
نريد الشرطة ، لا نريد الشرطة ، لا أحد أصبح يعرف هل الشعب يريد عودة
الشرطة أم الشعب لا يريد وجود الشرطة ، كثيرون ينادون الشعب يريد عودة رجال
الداخلية لتأمين الشوارع والبيوت والسيطرة على البلطجة التى أصبحت تشكل
الكثير من ملامح الشارع المصرى ، وإذا ما تواجدت الشرطة تجد شريحة من الناس
تتعامل معها بأسلوب فج وغير مقبول ، فرجل المرور يقف فى الشارع ويتعدى
الإشارة من يريد ، وآخر يسير عكس الاتجاه وإن تحدث ناهيك عما يلقاه من
كلمات لاذعة وقاسية إلى أبعد الحدود .
كثيرون من الشعب المصرى أخذ الأرقام المليارية وثروات بعض أركان النظام
السابق من بعض برامج التوك شو والتى لا تمثل بنك معين أو مؤسسة مالية
بعينها وأصبح يتحدث عن هذه الأرقام وكأنها صحيحة ومسلم بدقتها ، ولذا تقاعس
الكثيرون عن الأداء الجاد ، وطالب آخرون بزيادة رواتب وعلاوات – لهم فيها
كل الحق ولكن ليس الأن – والاعتصامات المستمرة المتوالية بكل القطاعات ظناً
أن هذه الأرقام الغير مؤكدة صحتها هى إرث سينل كل منا نصيبه منها فلا داعى
للعمل والجهد والأولى انتظار المكسب الآتى قريباً .
أصبحت أتخيل أن أكثر من نصف المصريين يتحدثون يحللون يثرثرون ، والبقية
أمام التلفاز والشاشات يتابعون يشاهدون صامتون ، والقاسم المشترك بين
القسمين - إلا فى بعض الاستثناءات بكل تأكيد - أن أولئك وهؤلاء لا يعملون ،
عشرات ومئات الاقتراحات إن لم تكن آلافاً تنهال على الساحة المصرية ولا
يوجد عمل واحد حقيقى جاد يحدث فارق ملموس على معيشة ويوميات المواطن المصرى
.
إلى البقية .........................................