ن يوما ككل
ايام الشتاء الباردة . رطباٍ في الصباح .. نوافذ السيارات المصفوفة عند
قارعة الطريق منداة بقطرات المياه الباردة .. المارة يتشحون بمعاطف ثقيلة
لكي تقيهم برد الشتاء وانا أقف على تلك النافذة مليئة بالاسى والقهر ، كنت
اتمنى بيني وبين نفسي لو انني لم استيقظ ابداً هذا اليوم حتى انني فكرت
بالعودة الى فراشي لكنني لم استطع فهناك ما يشغل تفكيري ويؤرقني لا بل
الصواب ان اقول بانه يذبحني .. فالذكرى عادت لي بكل تفاصيلها المؤلمة كنت
اتمنى لو انني افقد الاحساس في هذا اليوم كان ذلك الشعور يسيطر على كياني
باكمله كانت تلك الفكرة تسيطر علي تماما كل ما أريده الابتعاد عن هنا ..
كل ما أرغب به هو أن أغير حياتي .. أرغب في الهجرة عن نفسي قبل غيري ،
اريد الابتعاد عن الجميع ونسيان الماضي وتغيير الحاضر .. أرغب في الرحيل
وترك كل شيء خلفي ولا أنظر للوراء .. هذا كل ما أريده .. لا أريد أن أكون
جبل او حجر أو سراب .. أريد أن أكون مجرد إنسانه لها مشاعر اي إنسانه
عادية .... لم اشعر بانني على ما يرام ولكنني تحاملت على نفسي وابتعدت عن
تلك النافذة وبدات يومي كالمعتاد بترتيب كل شيء من حولي لم اترك مكانا الا
ورتبته ونظفته في منزلنا حتى ان امي نهرتني قائلة ارحمي نفسك وارتاحي
قليلا ، لم تدرك امي انني افرغ غضبي وقهري في العمل وبان في داخلي بركان
ثائر على وشك ان ينفجر ويحطم كل ما هو موجود حولي لا أدري كيف أعبر عن
شعوري ولكنني استطيع القول بانني مليئة بالحزن روحي حزينة وقلبي حزين ..
حتى خلاياي تنبض بالالم فحبه لا زال في قلبي وعقلي فهو وحده من سيطر على
تفكيري ونال ثقتي وحبي فبعد ان دخل حياتي أصبحت لي هوايات جديدة وابداعات
جديدة واهتمامات جديدة لقد غير في داخلي كل شيء.. صوتي .. حلمي .. وحتي
ذوقي في الأشياء .. فتعلمت كيف أفرح..كيف أحزن ..كيف أخاف فصرت أفرح بلا
سبب وأبكي بلا سبب وأحزن بلا سبب فادركت حينها معنى تلك المقولة التي تقول
أننا وحين نحب .. تكف الأرض عن الدوران ...
انهيت عملي وجلست بمفردي اطالع التلفاز فخطرت لي فكرة
جهنمية وغبية لا ادري كيف خطرت لي تلك الفكرة الغبية ولكنني وكعادتي لم
اسيطر على نفسي فقمت وجهزت نفسي وخرجت من المنزل .. لقد خرجت بنفسي الى
التهلكة اعلم ما الذي ينتظرني ومدى الالم والعذاب الذي سيصيبني ولكنني لم
اتراجع ولم اتهاون ولم ارضخ لذلك الصوت الذي كان يصرخ بي بان لا اذهب الى
هناك لم ارد الذهاب ولكنها نفسي التي تموت في تعذيب نفسها نعم نفسي تهوى
الالم وتعشقه وتحب العيش فيه لا بل بيني وبين الالم صداقة عمر طويلة تمتد
عبر سنوات عمري الثماني والعشرين .لم يعد لي صلة به ولا بحياته مع انني لم
انسى منذ ان افترقنا ان اتتبع اخباره او ان اسال من بعيد عن احواله كان
لي صديقة مقربة من صديقه كانت تنقل لي كل اخباره بالتفصيل فهي تعلم مدى
اهمية اخباره بالنسبة لي مع ان أكثر مآ يؤلم العآشقين بعد الفرآق هو
مرآقبة حيآة بعضھمآ.من خلف الاسوآر دون علم أحدھمآ بمرآقبة الاخر له ..
فما كان يوما من حقي بات الان محرما علي لا بل لا يحق لي ان اتذكره بيني
وبين نفسي !!! كنت اتناساه في عيون الاحبة وقلوب الاصحاب حتى انني بت لا
المحه ولا اراه الا في عيون الغرباء !! .كنت ادرك ان ذهابي الى حفل زفافه
امر لا مفر منه !!!! نعم يتوجب علي حضور ذلك الحفل حتى ولو لم اكن مدعوة
اليه فيجب علي ان اثبت لنفسي ان كل شيء انتهى كانت قدماي ترتجف لوحدهما
وانا اجلس في السيارة اصابني الذعر على غير العادة كلما اقترب وصولي الى
ذلك المكان !! لم ارد ان تصل السيارة الى هناك ولكنها ستصل عما قريب
فالمسافة باتت اقرب ولا يفصل بيني وبين ذلك المكان سوى بضع دقائق ، كنت
خائفة حد الموت مما ساراه وما ساشعر به ولكنني اثرت متابعة الطريق الى
النهاية ورؤية ذلك المشهد بام عيني .
وصلت الى مكان الاحتفال وقلبي مليئ بالرهبة ترجلت من
السيارة ودخلت الى القاعة وهممت بصعود الدرج ولكن قدماي كانتا لا تستطيعان
صعوده فعدت وانتظرت المصعد لياتي ويقلني الى الطابق المنشود احسست ان
الطريق امامي طووويلة لم اعد ادرك ان كنت ساصل ام لا كنت اقف لوحدي في ذلك
المصعد مليئة بالاسى نعم الاسى على حالتي التي وصلت اليها واتساءل وحدي
ومع ذاتي ان كنت على صواب في مجيئي الى هنا ويا ترى ما هو حالي بعد ان
اترك المكان ويا ويلي مما ساراه بعد قليل لكنني كابرت وكابرت وواصلت طريقي
الى القاعة ودخلتها وانا مليئة بالرهبة لاجدها مليئة بالناس فجلست في اخر
القاعة لكي لا يلاحظني احد فلا احد من المدعوين يعرفني او يعلم بامري
وحدها شقيقته من تعرفني وكانت تهتم لامري وان شاهدتني لن تنبس ببنت شفة
فجلست هناك انتظر دخول العروسين .
كنت اطالع المدعوين من حولي واراقب فرحتهم لاعود وارثي
لنفسي التي تجلس بينهم حزينة !! كنت جالسةً هناك احاول لملمة احلامي
واشواقي واحزاني التي تهدد بالخروج في اية لحظة فنفسي كانت تراودني لاقوم
واصرخ في المدعوين من حولي بأن يتوقفوا عن الضحك والمرح فضحكاتهم تقتلني
وتؤجج الوجع في قلبي فانا متعبة حد الموت لكنني عدت وكتمت صرخاتي داخلي
وجلست أرسم لوحة الوحدة بما تبقى منها من ألوان في قلبي .. الى ان حان
موعد دخول العروسين الى القاعة كنت اشعر بان مساحة الزمن فارغة من حولي
وان القاعة بمساحتها الكبيرة لم تعد تكفيني.. فأنا أتمدد .. وهي تضييق
فأنا وحيدة هناك بين قلوب لا تدرك ألم الذكريات مختبئة وراء اولئك الفتيات
الجميلات لا يُرى احد خيالي او لمعان عيني المليئتان بالعبرات ، كنت اجلس
وانا اتذكر كل ما كان وكيف كان واتمنى بيني وبين نفسي لو انه لم يكن ..
كنت الاحق نظراته التي يرمق بها عروسه الجميلة كان في غاية السعادة وهو
يمشي معها عبر القاعة لا يرفع عينيه عنها واقول لنفسي المهمومة يا ترى هل
يتذكرني الان ؟؟ هل يتذكر ايامنا معا هل فكر بي ولو لدقيقة واحدة ؟؟؟ كنت
اشعر بانني كشرخ متصدع قد ينهار في اية لحظة ليحول الزفاف الى عزاء ففي
داخلي حنين يتجدد تجاهه ورغبة جامحة بالصراخ لاوقف زواجه منها لكنني لم
اتفوه بكلمة واحدة فأنا كنت اجلس هناك وانا أختنق كليا كنت أشعر أن هواء
العالم كله الموجود من حولي لايكفي لإنعاش صدري الذي أمتلأ, بألم مكبوت
جثم على صدري ألم ليس لي به طاقة كنت اشعر بانني أخسر روحي شيئا فشيئا ,
كنت أغرق في قاع الظلام , وأشعربأن احلامي تموت رويدا رويدا حتى وصلت
لقناعة بأنني لم أعد أنا دموعي تهدد بالنزول على وجهي وصوتي يتعثر بأهاتي
المكبوتة بين جدران قلبي حتى انني فقدت القدرة على النطق فصوتي يتقطع في
حنجرتي وقلبي يتمزق بحسراتي كنت اشعر وانا أقف هناك بانني اتذوق طعم اللهب
ممزوجا بالثلج لأول مرة في حياتي فالحياة الان بالنسبة لي ما هى إلا
أشياءا وأشياءا تحمل الضد كنت اقف هناك وافكر بانني اريد ان اقتله ليتني
استطيع قتله بمسدس كاتم للصوت محشو برصاص الكلمات علَ كلماتي تدوي ويصل
مداها اليه فيفجع منها كفجيعتي انا به لكنني لن استطيع ان افعل شيئا له
الآن ولا حتى في اي وقت لاحق ، جل ما استطيعه هو ان استمر بمشاهدته وهو
يزف الى امراة اخرى كان هو الرجل الذي اردته من هذه الحياة كان هو صندوق
أسراري أجلس معه طول الليل يخبريني ماذا حصل له اليوم واخبره أنـــا كذلك
كنت الجأ له حينما تضيق بي الأنفاس وأشكي اليه لأنه هو الوحيد الذي يفهمني
فقد كان أقرب انسان الى روحي المعذبة كنت ارئ
السعاده برؤيته ولكن يبدو ان كل ما عشناه كان حلما وانتهى ، حينها أخذت
عيناي تجوبان ارجاء المكان بحثا على بقايا صورته وربما عن أشلاء ما تبقى
من مكانته لترجوها بأن تصمد أو أن تفنى او ربما ربما أن تنكر كل شيء كنت
اريد ان اغادر المكان الذي انا فيه ولكن هناك ما يمنعني كنت أنهر نفسي
بقوة لتقوم وتغادر المكان الذي تقف فيه ولكنها نفسي العنيدة التي لم ترضخ
لرغبتي في الابتعاد ربما كانت تتعلق ببصيص ذلك الامل الذي كنت امني نفسي
بأن يطل فجاة من اي ثقب من ثقوب الزمن الذي احرق اوراق حكايتنا ليخفف علي
ذكل الوجع الذي اشعر به وانا اراه يراقصها على وقع تلك الانغام التي احبها
وكأن القدر يريد ان يعمق من جراحي ويثبت لي ان الاوان قد فات على حبنا
،كان يراقصها بطريقة تملكية يدور بها ويردد مع تلك الانغام كلمات الحب لها
وهي تتطلع إلى عيناه بخجل و تطأطا راسها .. كنت اريد ان أحطم تلك القيود
التي تمنع خطواتي من التقدم إليه وأن أبتر كل الأيدي التي ستحاول الإمساك
بي ولكنني عدت واستسلمت لا بل انهزمت وانكسرت وكبت في صدري أنفاسي و أنيني
لارسم في قلبي بصمتي القاتل كل معاني الألم و العذاب
لاناشده بيني وبين نفسي التي قامت لتغادر تلك القاعة بأن لا ينسى ما كان
بيننا يوما من حب، رمقته بنظرة اخيرة لأحتفظ بنسخة من ملامحه التى أحببتها
فذكراه هي الشيء الوحيد , الذي وان كان يؤلمني إلا أنه يسعدني غادرت
القاعة وحيدة كما اتيت وحيدة وتركته ورائي وانا و ما بين أنيني و بكائي
أطوي تلك الذكريات و أرمي بها بعيداً في زاوية من زوايا ذاكرتي و أرسم في قلبي بصمتي القاتل كل معاني الألم و العذاب ليهنأ هو وحده بالافراح ...
الربيع العربي ; توقيع العضو |
|